كانت ليلة من ليالي الشتاء الهادئة، حيث اجتمعت الجدة فاطمة مع أحفادها الصغار حول المدفأة. بدأ الأطفال يطرحون أسئلتهم الفضولية، حتى وصل أحدهم إلى السؤال الذي طالما أحبته الجدة: “ما هو القرآن الكريم يا جدتي؟” ابتسمت الجدة، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم بدأت تحدثهم عن هذا الكتاب العظيم الذي ليس كمثله كتاب، “القرآن الكريم”. وبأسلوب شيّق، بدأت تسرد لهم حكايات للصحابة والتابعين مع القرآن الكريم، موضحةً أهمية حفظه، وترتيله، وتدبر آياته وفهم معانيها، ليصبح هذا الكتاب خير معين ودليل في حياتهم.
القرآن مأدبة الله لعباده، ورحمة منه للناس أجمعين، وقد صح عند الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: “ألم” حرف، ولكن “ألف” حرف، و”لام” حرف، و”ميم” حرف)
أجزاء القرآن الكريم
توقفت الجدة للحظة لتسألهم، “هل تعلمون أن القرآن مكوّن من ٣٠ جزءًا؟” بدت الدهشة على وجوه الأطفال، فأكملت حديثها: “هذه الأجزاء تجعل قراءة القرآن وحفظه أسهل، فهي مقسّمة بحيث يمكن لكل مسلم أن يخصص وقتًا يوميًا لقراءة جزء معين.” أوضحت لهم أن كل جزء يحتوي على سور، بعضها طويل، مثل سورة البقرة، والبعض الآخر قصير، مثل سورة الكوثر. وأخبرتهم أن هذه الأجزاء تُمثل مقاطع من كلام الله العظيم، كل جزء يحمل في طياته قصصًا وأحكامًا وتوجيهات تساعدنا في حياتنا.
وأكملت الجدة حديثها عن أسماء السور، وكيف أن كل واحدة منها تروي لنا جانبًا معينًا من الحكمة والمعرفة. أشارت إلى أن بعض السور جاءت لتهدي المؤمنين إلى سبل الحق، كقصص الأنبياء وسور الأحكام، وبعضها كان للعبرة والتدبر، كسورة يوسف وقصة سيدنا موسى مع فرعون. أخبرتهم أن قراءة هذه الأجزاء يوميًا يمنحنا توجيهًا وروحانية تساعدنا على فهم حياتنا بشكل أفضل.
مدة حفظ القرآن الكريم وختمه
أحد الأحفاد، ويُدعى أحمد، سأل الجدة ببراءة: “كم يستغرق حفظ القرآن؟” ابتسمت الجدة وقالت: “يا بني، إن حفظ القرآن ليس بالأمر السهل، ولكنه ليس صعبًا أيضًا. يعتمد على عزيمة الشخص وإرادته، فهناك من يحفظه في عدة سنوات، وهناك من يستغرق وقتًا أطول. المهم هو الاستمرارية والاجتهاد.”
وأوضحت الجدة أن هناك من يحفظون جزءًا صغيرًا يوميًا، مثل بضع آيات، ويثابرون على ذلك، حتى يتمكنوا من ختم القرآن كاملاً. وأكدت لهم أن التدرج في الحفظ يساعد على تثبيت الآيات في القلب والعقل، ويمنح الإنسان فرصة للتدبر العميق في معاني الآيات.
وأشارت إلى أن هناك أساليب عديدة للحفظ، مثل تخصيص وقت محدد للحفظ اليومي، أو الانضمام إلى حلقات تحفيظ القرآن في المساجد أو المراكز التعليمية، أو الأكاديميات على الإنترنت مثل -أكاديمية استقامة- حيث يتعلم الأطفال ويستفيدون من تكرار القراءة والتدبر الجماعي للآيات. وضحت لهم أن حفظ القرآن ليس الهدف النهائي؛ بل إن تدبر معانيه وعيش قيمه هو المقصد الأسمى.
ترتيل وتجويد القرآن الكريم
وبعد الحديث عن الحفظ، تطرقت الجدة إلى مسألة مهمة لا تقل أهمية، وهي “ترتيل وتجويد القرآن الكريم”. فسألت الأطفال: “هل تعرفون معنى الترتيل والتجويد؟” بدت علامات الحيرة على وجوههم، ففسرت لهم بهدوء: “الترتيل يعني قراءة القرآن ببطء وتأنٍ، مع التركيز على جمال كل حرف ونطق كل كلمة كما يجب. فترتيل القراءة هو الترسل فيها، كما قال الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {المزمل:4}” وأضافت: “أما التجويد فهو علم يهتم بقواعد النطق الصحيح للحروف، ويعلمنا كيفية إخراج الأصوات بشكل سليم.” وتجويد الشيء الإتيان به جيداً، والجيد ضد الرديء، وفي اصطلاح القراء: الترتيل مرتبة من مراتب تجويد القرآن الكريم التي هي: الترتيل، والتدوير، والحدر، ولذلك فالقراءة بالتجويد تشمل هذه المراتب الثلاثة، والقارئ للقرآن مطلوب منه شرعا أن يقرأ القرآن مجوداً بإحدى هذه المراتب.
أوضحت لهم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يوصي المسلمين بترتيل القرآن وقراءته بخشوع. ذكرتهم أن القرآن ليس كتابًا للقراءة السريعة، بل هو كتاب للتأمل والتدبر. وأكدت أن الترتيل والتجويد يفتحان أمام الإنسان بابًا للتواصل القلبي مع الله، ويجعلانه يشعر بعظمة كلام الله وتأثيره في حياته.
ثم تحدثت عن فضل القراءة بترتيل، موضحة أن الترتيل يجعل الإنسان يشعر بالسكينة ويعمّق فهمه للآيات. وسردت لهم كيف أن المسلمين كانوا يقضون الساعات الطوال يتدبرون كل كلمة في القرآن، فتغمرهم الطمأنينة والقرب من الله.
تفسير الآيات لفهم معانيها
تحدثت الجدة بعد ذلك عن أهمية “تفسير الآيات لفهم معانيها”، فقالت للأطفال: “يا أحبابي، إن القرآن مليء بالمعاني العميقة التي تحتاج إلى تفسير لفهمها بشكل صحيح.” وأوضحت لهم أن تفسير القرآن هو علم يهدف إلى شرح الآيات وبيان معانيها وأحكامها، وأن هناك علماء قد أمضوا حياتهم في تفسير القرآن وتوضيح معانيه للمسلمين.
وروت لهم عن بعض التفاسير التي يمكن أن يلجأوا إليها، مثل تفسير الإمام الطبري وتفسير ابن كثير، مشيرة إلى أن العلماء قدّموا شروحًا وافية للآيات بحيث يفهم المسلم مراد الله في كل حكم ووصية. وأخبرتهم أن التفسير ليس فقط للعلماء، بل يمكن لأي مسلم أن يقرأ كتب التفسير ليقترب أكثر من كلام الله.
وأشارت إلى أن فهم معاني الآيات يُساعد المسلم على تطبيق تعاليم القرآن في حياته اليومية، ويجعل من القرآن دليلاً وموجهًا في كل خطوة يخطوها. وضربت مثالًا عن تفسير بعض الآيات المتعلقة بالأخلاق، مثل الحلم والصبر والعفو، وكيف يمكن لهذه المعاني أن تغيّر حياة الإنسان وتجعله أكثر تسامحًا ورحمة.
التأمل والتدبر في آيات القرآن الكريم
عندما انتهت الجدة من الحديث عن تفسير الآيات، صمتت للحظة، ثم قالت: “يا أحبائي، لا تقتصر رحلتنا مع القرآن على الحفظ والتلاوة فقط؛ بل ينبغي علينا أن نتأمل في معانيه ونتدبر كلماته بعمق.” وتابعت قائلة: “التدبر في القرآن يعني أن نقرأ الآيات بتأنٍ ونحاول فهم الرسائل والإشارات التي تحملها لنا.”
وأوضحت لهم أن التدبر يُشعر المسلم بالقرب من الله، حيث يفتح له آفاقًا جديدة لفهم الحكمة الإلهية التي تحملها كل آية. قالت: “عندما نتأمل في قصص الأنبياء، مثلاً، ونتدبر كيف واجهوا التحديات، فإننا نستلهم منهم الصبر والثقة بالله.” وبينت أن بعض الآيات تحتوي على معانٍ عميقة تدعو إلى التفكير في خلق الله، مثل السماء والنجوم والجبال، مما يجعل الإنسان يشعر بعظمة الكون ويستشعر قدرة الله في كل شيء.
وأضافت الجدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي المسلمين بالتدبر في آيات الله وعدم المرور عليها مرور الكرام. وأكدت أن التدبر يجعل المسلم يعيش القرآن بوجدانه ويجعله يدرك أن القرآن ليس مجرد كلمات تُتلى، بل هو نور يضيء الحياة ويوجه القلب والعقل إلى طريق الحق والهدى.
في ختام الحديث، نظرت الجدة إلى أحفادها قائلة: “القرآن هو كنز لا يفنى، وهو الكتاب الذي يجعل حياتنا مليئة بالنور والهداية.” وأكدت لهم أن رحلة القرآن لا تنتهي بحفظه أو ترتيله فقط، بل بالعيش على هديه وتطبيق تعاليمه.
لذلك نحن في أكاديمية استقامة نقوم بتعليم القرآن بمفهومه الواسع، والذي يشمل أحكام التلاوة والترتيل والتحفيظ والتفسير والتدبر، وصولًا إلي العمل؛ وذلك بأفضل الوسائل التربوية وأحسن الطرق التعليمية.
……………………………………………………………………
↵كما يمكنكم التعرف على.. |